حوار رائع مع الاستاذ د.جاسم سلطان احببت ان تتطلعوا عليه .منقول من موقع مشروع النهضة
http://www.4nahda.com/node/844
اخوكم وائل مبارك
الثورات التي تجتاح المجتمع العربي من المؤكَّد أن لها أسبابا عديدة، هناك من يقول أنها وليدة العدوى التي انتقلت بين الدول العربيَّة, وهناك آخرون يرون أن الصحوة التي انطلقت في النفوس العربية وتذوقت طعم الحرية لا يمكن أن تخبو جذوتها, أما الرأي الثالث فيقول أن الثورات هي فعلا وليدة الحاجة العربية، وأخيرون ينظرون لهذه الثورات من منطلق نظرية المؤامرة, فهل شعوبنا العربيَّة تتمتع بقدرات تؤهِّلها على قيادة دفة الشعوب بشكل صحيح؟ سؤال طرحته شبكة الإسلام اليوم على المفكر الإسلامي الدكتور جاسم السلطان في حوارها معه وناقشناه في عديد من الأطروحات والأفكار.
تعصف اليوم في بعض الدول العربيَّة ثورات تطالب بالتغيير, هل ترى أنها بدافع تقليد بعضها للبعض الآخر؟ أم أنه آن الأوان للتغيير؟
الثورات –في رأيي- لا تحدث نتيجة التقليد، ولكن نتيجة احتياجات كبرى تتخمر عبر زمن في فضاء شعب ما؛ فحين يأخذ نظام ما فرصته ووقته ثم ينتج عن عمله واقع محبط للإنسان، حيث تزداد احتياجاته ووعيه من جانب ويتقاصر أداء السَّاسة ويضيق فضاء الحرية عندها تكون البيئة جاهزة وعندها يصبح الموضوع متعلقًا بالقشة التي تقصم ظهر البعير كما يقال.
تطالب الكثير من الشعوب العربية بالتغيير, لماذا هذه الصحوة في الوقت الحاضر, هل أن تلك الشعوب كانت نائمة وفجأة صحت على الرغبة في التغيير؟ أم أن هناك خيوطًا لمؤامرة خارجية؟
الشعوب لم تكن نائمة، فالمجتمعات العربية مثلا جربت عصر حركة الاستقلال ولم ينتج عنها تقدم، ثم خاضت في الانقلابات فلم تنجح، ثم جرَّبت النضال الدستوري فلم تنجح ثم بنت التنظيمات وخاضت بها أشكالًا من الصراع بما فيها العمل المسلَّح فلم تنجح، وبدا أن الأفق انسد حتى خرج البعض بفكرة حركة اللا عنف فنجحت الفكرة وآتت ثمراتها.
ما الضمانة التي تستند عليها الشعوب العربية في أن التغيير سيكون لصالحها ولن تستبدل طاغوتًا بآخر، وأن الدول صانعة القرار هي من يملك وحده الإتيان بمن يخدم ويفيد مصالحها؟
إن الضمان الوحيد هو وعي الشعب وقدرته على التحرك لتعديل المسار كلما تطلب الأمر، ومع الوقت تستقر الأعراف الديمقراطية شيئًا فشيئًا وتقل الحاجة للحضور الجماهيري.
هل الشباب العربي الذي انطلقت من خلاله الثورات العربية هو على قدر من الوعي لقيادة دفة التغيير في الوجهة السليمة, وكيف تنظرون إلى الوعي في شباب الأمَّة اليوم؟
هناك كتلة وعي مهمة في الشباب استطاعت أن تتغلب على الفكر التنظيمي الذي ضيَّق آفاق البدائل في الماضي وهي شكَّلت أداة افتكاك للحرية عبر دعوة الجماهير للشارع والثبات في طلب الحقوق، ولكن هناك اختبارًا صعبًا بعد الحصول على الحرية حيث تشكل آليَّات الانتخاب أكبر من الكتلة الحرجة، ويصبح الاعتماد على وعي المجتمع والذي سيواجه عمليات تزوير للوعي مرة باسم الدين ومرة باسم التغريب، وهي في كل الأحوال مسار تجريبي، أمام المجتمع فرصة في أن يصلحه كل أربعة أعوام عبر مسار الانتخابات.
البعض من المحللين والمفكرين يرى أن ثورات الشباب كسرت حاجز الخوف لدى الشعوب، ولكن يجب أن لا تكسر جدار الاحترام لمن هو أكبر سنًّا ومقامًا في بلداننا العربيَّة, برأيكم ما مدى صحة ذلك وكيف تنظرون إليه؟
الموضوع ليس متعلقًا بكبر السن أو صغره، بل بصواب الفكرة وتوفر القوَّة الاستدلالية فيها ولا علاقة بين الاحترام والذي هو أسلوب خطاب وسلوك وبين الاختلاف في الرأي، والتي تتعلق بصحة الأفكار ولا علاقة لها بالسن أو بالاحترام.
النفاق الغربي والأمريكي في مساندة بعض الثورات العربيَّة على حساب البعض الآخر, ففي الوقت الذي أيَّدت الثورات في دول مصر وليبيا وتونس وقفت الإدارة الأمريكيَّة والغرب متجاهلة للثورة في العراق, أم أن السبب في ذلك أنها مسيطرة على أدوات ضخّ النفط وآبار العراق؟
ليست الولايات المتحدة ولا غيرها مؤسسات خيريَّة، بل هي معنيَّة بمصالح أمنها القومي وما يفيد أوطانها وحين تصنع سياستها الخارجيَّة فهي غير معنيَّة بالعواطف، بل معنيَّة بالمصالح، وهو ما يجب أن نتعاطى به في العلاقات الدوليَّة، وبالقطع لكل حالة خصوصيتها، وبالتالي فالأحكام العاطفيَّة لا معنى لها في السياسة الدوليَّة.
ما دور الجامعة العربيَّة أمام العجز العربي في حل المشاكل العربية والداخلية وضرورة الاستعانة بما يسمى المجتمع الدولي لحل مشكلة مثل مشكلة ليبيا؟
الجامعة العربيَّة ليست جسدًا مستقلا عن حالة الدول المكونة لها، والدول العربيَّة ما زالت أضعف من أن تحمي حدودها، ناهيك عن أن تحمي حدود غيرها وحين يحتاج الأمر لغطاء جوي كما هو الحال بالنسبة لليبيا أو أي دولة عربيَّة فلا ننسى حرب 56 وحرب 67 وحرب 73 وحرب لبنان وحرب غزة وحرب العراق؛ فالسماء العربيَّة مكشوفة لطائرات الغرب وما لم تتقدم الدول العربيَّة علميًّا بحيث تصبح قادرة على حماية فضائها فلا يمكن الحديث عن استغناء عن المجتمع الدولي.
هل تعتقد أن بعد التدخل الأمريكي والأوربي أن الشعب الليبي يمكنه أن يأتي بحكومة وطنيَّة تخدم الشعب الليبي ولا يتكرَّر نفس السيناريو الذي حصل ويحصل في العراق؟
كل شيء نسبي فهامش ما تستطيعه أي دولة من دول العالم الثالث يختلف في النسبة من الحرية التي تتمتع بها، وبالتالي ليس هناك خلطة تناسب الجميع، وقدرة الآخر على التدخل تعتمد على حالة المجتمع الجديد وقدرته على سد احتياجاته، وكلما كان محتاجًا للأخر كلما قلَّت نسبة الاستقلال في القرار.. حتى في وجود الوطنيَّة.
يرى بعض المفكرين أن الخروج على الحاكم حتى وإن كان ظالمًا غير مبرَّر في مقابل فتنة تستبيح كل شيء ومن ضمنها دم المسلم, ما رأيكم بذلك؟
عدم الخروج على الحاكم أيًّا كان هو رأي فقهي تكوَّن بعد أن تغلَّب بني أمية على مناوئيهم وتبعهم العباسين أما قبل ذلك فقد كان الخروج من أهل مكة والمدينة وغيرها هو الأصل وعليه تأسَّس خروج عائشة ومعاوية على علي وعبد الله بن الزبير على الأمويين والحسين على يزيد وحركة النفس الزكيَّة على العباسيين وجميع حركات الطالبيين...هذا في الخروج المسلح ولكن الخروج السلمي هو شكل آخر غير معهود في السابق، وهو جزء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشيء الطريف أن من حرموا الخروج المسلَّح على الحاكم الظالم جوَّزوا ولاية المتغلب، فعمل الثائر حرام، وهو فاسق مخالف للآثار طالما لم ينتصرْ، ولكن إن انتصر انتقل ليصبح أمير المؤمنين ووَجَب له السمع والطاعة والدعاء!
الشعوب العربيَّة هل تعتقد أنها مؤهَّلة للتعدديَّة وحريَّة الإعلام أم أن ذلك سيؤدي إلى الفوضوية وعدم احترام للتشريعات السماويَّة والعادات والتقاليد؟
التشريعات السماويَّة جاءت لتسمو بالإنسان وبكرامته وبحريته، فإن أصبحت هي سبب حرمانه من إنسانيته وكرامته نكون قد قلبنا الآية والشعوب العربية ليست خلقًا آخر غير البشر في كل العالم فها هي الهند بكل ما فيها تصبح أكبر ديمقراطيَّة في العالم فكل شعب صالح للتعلم متى ما أعطي الفرصة وأخذ حظَّه من التجربة والخطأ.
قطار الحريات في الوطن العربي دَخَل مرحلة تعديلات الدساتير, هل أنتم مع أن يكون التشريع الإسلامي هو التشريع الوحيد للدساتير العربيَّة, أم أن البعض يرى أن تكون الشريعة هي مصدر من مصادر التشريع في الدساتير وليس المصدر الوحيد؟
أرى أن الدستور يجب أن ينص بأن لا يناقض القطعي من الشريعة، وليكن بعدها الباب مفتوحًا لكل نافع.
كم هي نسبة تفاؤلكم لما يحدث في أمتنا, وهل المستقبل سيكون أفضل مما هو عليه واقعنا العربي؟
أنا متفائل بأن الأمَّة تسير في الطريق الصحيح، وأعتقد أنها في البدء ربما تأخذ بعض القرارات السيئة التي قد تعطِّل تقدمها بسبب تشوش عالم الأفكار وتحكم العواطف ولكن ستتعلم سريعًا من أخطائها.
-----------------------------------------------
حوار/ إسراء البدر
الإسلام اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق