الاثنين، 2 سبتمبر 2013

نهج الاعلام "الثورة المضادة"

مدخل

ياتي المقال كتكملة لمقال سطرته قبل عامين بعنوان "نهج الفضائيات في زمن الثورات" و سأتناول هذه المرة الموضوع بصورة اعمق و فيه كثير من مقتطفات و مخلص من رؤية  الاستاذ نبيل شبيب و  د.خالد الطراوي لما رايت فيهما من نظرة عميقة و متزنة لواقع المؤسسات الاعلامية هذه الايام , في زمن اصبح اللعب فيه علي المكشوف يتطلب مننا ان نواكب التطورات و نوضح الامور كواجب مطلوب في رسالتنا الاعلامية


***

ان التطورات السريعة المتلاحقة في المنطقة العربية و خصوصاٌ في مسار الثورات في بلدان الربيع العربي ابانت العديد من الامور ربما قد تفرز تحولات كبيرة في المنطقة العربية و تغير في ميزان القوي و مما لا شك فيه ان الإعلام اليوم اصبح هو السلطة الأولى في البلاد و ليس الرابعة ،لما له من قوة لتغير الثقافات وتشكيل العقول، تمجد من شاء وتجعل له شأنا ومقاما وتلبسه صولجانا ودرة، وتضع من تشاء وتجعله أضحوكة الناس، تسجن البعض وتعلق البعض الآخر في المشانق تحت تصفيق الجمهور وفي هستيريا الزغاريد!

ان ثورات الربيع العربي المجيدة في 2011 اطاحت بمشاريع و مؤسسات ضخمة كان تتحكم في امور البلاد و العباد لعقود من الزمان تمص في دماء الشعوب اجيال وراء اجيال – لذا كانت الثورة و الاعلام الذي دعمها ضربة كبيرة لهم و للقوي الاقلمية الداعمة لهم و نتيجة لعدم الاستقرار و الاخطاء التي صاحبت فترات الحكومات الانتقالية ,فطنت تلك الجهات المتضررة للعبة و خططت بمهارة خطة استرجاع مكانتهم في المسرح بنفس الادوات و اصبح واضح للعيان بداية توجيه مسار الثورات منذ منتصف 2012

ان ما يحدث هذه الايام هو عملية عودة متعجلة للانظمة السابقة  في مصر و تونس عبر منهجية محددة ومضبوطة ليس للعفوية فيها مكان , خليطا من مبالغات وكذب وتجاوزات للخطوط الحمراء، فلا قيم ولا مبادئ ولا أخلاق ترعاها. واستدعي كل طرف له مصلحة صغيرة كانت او كبيرة في العودة إلى الوراء وحبك السيناريو، وعلا الجميع المنصة ثم حدث اعتداء صارخا على مخيال الناس وعقولهم، لتكييف الوضع والتمهيد للانقضاض.. واستدعيت من أجل ذلك كل الأدوات والأبواق والأوراق. فالقضية أصبحت قضية حياة أو موت بالنسبة لهم  يتم ذلك عبر منهجية الترويع والترهيب والكذب البواح لتشويه الطرف المقابل وإقصائه واستئصاله نهائيا من المشهد، مرحلة حمراء قانية تسيل فيها الدماء أنهارا، ليس للعقل فيها وجود، ولكنها مرحلة وجود.

و بطبيعة مجريات الاحداث المتلاحقة و ما تم من عمليات تخوين وتشكيك و زعزعة للمعتقدات ومع حالة الوعي المهتزة، والوضع المعيشي المتأزم، وأخطاء الحكومات الانتقالية، والضغط الإعلامي  كل ذلك يجعل لتلك الانظمة و ثورتهم المضادة إمكانية الحصول والتمدد والنجاح تحت مسمي براق يدعي" تصحيح ثورات الربيع العربي".




لا يمكن اختزال الساحة الإعلامية لمرحلة الثورات الشعبية الجارية في حدود اتهامات عشوائية يجري تناقلها عبر وسائل الإعلام نفسها، التقليدية والحديثة، وفي مقدمتها كما بات متداول: هذه فضائية تحريضية، وتلك مهنية، وهذه تشارك في صنع الثورة، وتلك حيادية، وهذا إعلام رسمي ميت، وذاك إعلام خاص،وكل وصف من قبيل إعلام حر أو مستقل أو منحاز أو تحريضي أو مهني هو وصف نسبي بحد ذاته، وخاضع لرؤية الفرد أو الجهة التي تستخدم هذه التعابير وأمثالها.

كما لا يمكن توجيه الاتهام بالتحريض إلى أي وسيلة إعلامية تنشر مشاهد "ارتكاب جريمة استبدادية أو جريمة من جرائم الفساد" وتبدي الرأي المشروع الواجب إبداؤه بصددها، فالتحريض في هذه الحالة لا يصدر عن "ناقل المشهد" بل يصدر واقعيا عن مرتكب تلك الجريمة وعن مواقفه المستفزة عندما يرفض أن "يفهم" في الوقت المناسب (والأصل أن يفهم قبل ممارسته الاستبداد وليس بعد الثورة عليه) أو عندما يرفض التصرف وفق إرادة الشعب وهو يعبر عنها عبر الاحتجاج أو التظاهر أو الثورة، بعد أن سد النظام الاستبدادي الفاسد في وجه الشعب وسائل التعبير الحر الطبيعية في ظل نظام غير استبدادي يقوم على أسس قويمة، من بينها الحقوق والحريات.


إذا رسخ في بلد من البلدان العربية والإسلامية نظام حكم قويم، يصدر عن إرادة الشعب، ويمارس مهمته معبرا عن إرادة الشعب بالمقاييس القويمة المعروفة لذلك، ويطلق الحريات والحقوق كما ينبغي، ومنها حرية الإعلام، آنذاك يكون للحياد الإعلامي تعريف آخر، أما في هذه المرحلة بالذات ، فالحياد هو ما يتحقق من خلال الانحياز الإعلامي الواضح للعيان لقضايا الشعوب المشروعة العادلة.
من هنا لا بد من القول بصورة واضحة مباشرة إن الإعلام الذي لا ينحاز إلى الشعوب هو الإعلام المنحاز للأنظمة، فإن كانت مستبدة فاسدة فهو إعلام منحاز للاستبداد والفساد، ولا مجال هنا للتعليل القائل بضرورة التزام الحياد، فلا يتحقق الحياد بأي معيار قويم من خلال الوقوف على مسافة واحدة بين القاتل والقتيل، والمجرم والضحية، والسجان والسجين، والهراوات والأجساد، والرصاص والجراح.




مقالات شبيه علي المدونة :


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق